الاثنين، 28 نوفمبر 2011

الهجرة النبوية بين أخذ بالأسباب ومعونة الله



بسم الله الرحمن الرحيم
{‏إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ‏}‏ ‏[‏سورة التوبة‏:‏ آية 40‏
من سنن الله فى كونه أن معونته لا يمنحها الا لمن يبذل الوسع ويأخذ بالأسباب .
وهذا ما نتعلمه من الهجرة فحينما ينظر المتأمل فى نجاة النبى ونجاحه فى الهجرة يقول أن النبى نجا ونجح لأن الله مده بمدد من جنوده عند باب بيته , وعند باب الغار وعندما لحق به سراقة بن مالك بل ان قلوب أهل المدينة إنما فتحت للنبي لما كان يقوله لهم اليهود أنه ظهر نجم نبى نتبعه ونقاتلكم معه قتل عاد وارم .فكان ذلك سبب فى تقبل أهل المدينة لدعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم
قال تعالى
{وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ} - البقرة 89
ولكن ومع هذا فان النبى ورغم يقينه وثقته بمعية الله له لكنه صلى الله عليه وسلم أخذ بالأسباب وأعد الراحلة , وأعد الدليل , وأعد خطة التمويه فى غار ثور, وأعد من ينقل لهم أخبار , ومن يأتي لهم بالطعام وأعد خطة محكمة للخروج من مكة .
وقد يتساءل الإنسان ألم يكن بمقدور الله أن أن ينقل الله نبيه من مكة الى المدينة كما حدث فى الإسراء والمعراج بالبراق ؟
بلى فالله على كل شيء قدير ولكن النبي قدوتنا ومعلمنا نتعلم منه الأخذ بالأسباب ويعلمنا أن الله لا يعطى مدده الا لمن يستنفذ الأسباب .
نعم بذل النبى كل ما بوسعه واتخذ من التدابير ما ينجيه وصاحبه لن معونة الله هى التى كانت فاصلا ما بن النجاة والموت فتجلت فى أعظم صورها حينما وقف الشباب على باب بيت النبى ينتظرون خروجه من بيته لقتله , ولكن جعل الله من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشاهم الله فلم يبصروا ونجاه الله .
(وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون ) سورة يس
وكان من صورها حينما كان النبى فى غار ثور وكان الكفار المتتبعين للأثر وصلوا لباب الغار وقال أبو بكر لرسول الله لو نظر أحدهم عند قدمه لرأنا فقالها النبى ما ظنك باثنين الله ثالثهما ونجاه الله .
قال الإمام البخاري في (كتاب التفسير) من صحيحه:
حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا حبان حدثنا همام حدثنا ثابت حدثنا أنس قال: حدثني أبو بكر رضي الله عنه قال: ((كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار فرأيت آثار المشركين قلت: يا رسول الله، لو أن أحدهم رفع قدمه رآنا قال: ما ظنك باثنين الله ثالثهما)).
والموقف مع سراقة بن مالك حينما لحق بالنبى وساخت قدمه فى الرمال أكثر من مرة وعلم أنه ممنوع فطلب من النبى مكرمة اذا علا شأنه وكتب له النبى بذلك كتابا وقال له (كيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى) ونجى الله نبيه مما كان يريد سراقة .
وأمر شاة أم معبد التى كانت طعام النبى بمعجزة من الله ومنحة منه .
فمعية الله لم تفارقه وحماية الله لم تتركه ولكن بعد ما أخذ بالأسباب وبذل الوسع فى تحقيقها واذا كنا نريد أن نعيد المجد لأمة الإسلام فلنأخذ بأسباب المجد ونبذل كل ما بوسعنا وهنا فقط تأتينا معونة الله ونصره .

عبد الفتاح السقا

ليست هناك تعليقات: